قال شيخ الإسلام : "والله تعالى قال في إسماعيل: (إني جاعله لأمة عظيمة ومعظمة جداً جداً)، وهذا التعظيم المؤكد بـ(جداً جداً) يقتضي أن يكون تعظيماً مبالغاً، فلو قدر أن البيت الذي بناه لا يحج إليه أحد، وأن ذريته ليس منهم نبي، كما يقوله كثير من أهل الكتاب، لم يكن هناك تعظيم مبالغ بـ(جداً جداً)، إذ أكثر ما في ذلك أن يكون له ذرية".
نقول لليهود والنصارى: أنتم تقرءون التوراة، وفيها أن هذا البيت معظم جداً جداً، فأين التعظيم إن لم يكن هذا هو البيت الذي تحج إليه الأمم كما هو مشاهد الآن؟! فإذا قلتم: إن هذا الحج باطل، وإن دين المسلمين باطل، وقد سلمتم أن فاران هي مكة، وأن إسماعيل عاش فيها، وأنه بنى هذا البيت؛ فنقول: هذا تناقض وإلا فما معنى: جداً جداً؟! والمشاهد أن هذا البيت معظم؛ حيث يأتي الناس من كل مكان فيعظمونه.
وكذلك هذه الأمة عظمت جداً جداً، وهل عرف التاريخ أمة ملأت التاريخ أكثر من بني إسماعيل عليه السلام من العرب؟! حيث انتشرت حتى ملأت الآفاق بسبب هذا الدين، فانطلقت من فاران حتى وصلت إلى قرب باريس غرباً، ووصلت إلى أطراف الصين شرقاً، بل إن الإسلام دخل بلاد الروس، وكان الروس والهنود والصينيون يدفعون الجزية للمسلمين، ومنطقة الشرق -أعني: بلاد ما وراء النهر، ومن دون النهر إلى بلاد الشام- كلها مسلمة إلى اليوم والحمد لله.
ثم قال شيخ الإسلام : "ومجرد كون الرجل له نسل وعقب لا يعظم به، إلا إذا كان في الذرية مؤمنون مطيعون لله".
ذكر ذلك شيخ الإسلام لأن اليهود لا يجعلون أمته عظيمة جداً جداً، فنقول: إن الله عز وجل حين يثني على أمة ويعظمها لا يكون ذلك بسبب كثرتها، بل لإيمانها وعبادتها له، وإلا فإن الكثرة العددية هي لأرباب الكفر والضلال؛ كما في أول التوراة عن يأجوج ومأجوج أن عددهم كثير، وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى لآدم: {يا آدم أخرج بعث النار من ذريتك... من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين}، فالكثرة ليس لها اعتبار، وإنما تمدح ذرية شخص من الناس ويعظمون لكونهم على الإيمان.